سورة آل عمران - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله والملئكة والناس أَجْمَعِينَ} يدل بمنطوقه على جواز لعنهم، وبمفهومه على نفي جواز لعن غيرهم. ولعل الفرق أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون عن الهدى مؤيسون عن الرحمة رأساً بخلاف غيرهم، والمراد بالناس المؤمنون أو العموم فإن الكافر أيضاً يلعن منكر الحق والمرتد عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه.
{خالدين فِيهَا} في اللعنة، أو العقوبة، أو النار وإن لم يجز ذكرهما لدلالة الكلام عليهما. {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}.
{إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك} أي من بعد الارتداد. {وَأَصْلَحُواْ} ما أفسدوا، ويجوز أن لا يقدر له مفعول بمعنى ودخلوا في الصلاح. {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} يقبل توبته. {رَّحِيمٌ} يتفضل عليه. قيل: إنها نزلت في الحارث بن سويد حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه أن سلوا هل لي من توبة، فأرسل إليه أخوه الجلاس بالآية فرجع إلى المدينة فتاب.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم ثُمَّ ازدادوا كُفْرًا} كاليهود كفروا بعيسى والإِنجيل بعد الإِيمان بموسى والتوراة، ثم ازدادوا كفراً بمحمد والقرآن، أو كفروا بمحمد بعدما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفراً بالإصرار والعناد والطعن فيه والصد عن الإيمان ونقض الميثاق، أو كقوم ارتدوا ولحقوا بمكة ثم ازدادوا كفراً بقولهم نتربص بمحمد ريب المنون أو نرجع إليه وننافقه بإظهاره. {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} لأنهم لا يتوبون، أو لا يتوبون إلا إذا أشرفوا على الهلاك فكني عن عدم توبتهم بعدم قبولها تغليظاً في شأنهم وإبرازاً لحالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة، أو لأن توبتهم لا تكون إلا نفاقاً لارتدادهم وزيادة كفرهم، ولذلك لم تدخل الفاء فيه. {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضالون} الثابتون على الضلال.
{إِن الذين كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مّلْءُ الأرض ذَهَبًا} لما كان الموت على الكفر سبباً لامتناع قبول الفدية أدخل الفاء هاهنا للإِشعار به، وملء الشيء ما يملؤه. و{ذَهَبًا} نصب على التمييز. وقرئ بالرفع على البدل من {مّلْء} أو الخبر لمحذوف. {وَلَوِ افتدى بِهِ} محمول على المعنى كأنه قيل: فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً، أو معطوف على مضمر تقديره فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً لو تقرب به في الدنيا ولو افتدى به من العذاب في الآخرة، أو المراد ولو افتدى بمثله كقوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ} والمثل يحذف ويراد كثيراً لأن المثلين في حكم شيء واحد {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مبالغة في التحذير وإقناط لأن من لا يقبل منه الفداء ربما يعفى عنه تكرماً {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} في دفع العذاب ومن مزيدة للاستغراق.
{لَن تَنَالُواْ البر} أي لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير، أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضى والجنة. {حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} أي من المال، أو ما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس، والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيله. روي أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال: يا رسول الله إن أحب أموالي إلي بيرحاء فضعها حيث أراك الله، فقال: «بخ بخ ذاك مال رابح أو رائح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين». وجاء زيد بن حارثة بفرس كان يحبها فقال: هذه في سبيل الله فحمل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فقال: زيد إنما أردت أن أتصدق بها فقال عليه السلام: «إن الله قد قبلها منك» وذلك يدل على أن إنفاق أحب الأموال على أقرب الأقارب أفضل، وأن الآية تعم الإِنفاق الواجب والمستحب. وقرئ: {بعض ما تحبون} وهو يدل على أن من للتبعيض ويحتمل التبيين. {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ} أي من أي شيء محبوب أو غيره ومن لبيان ما. {فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} فيجازيكم بحسبه.
{كُلُّ الطعام} أي المطعومات والمراد أكلها. {كَانَ حِلاًّ لّبَنِي إسراءيل} حلالاً لهم، وهو مصدر نعت به ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ} {إِلاَّ مَا حَرَّمَ إسراءيل} يعقوب. {على نَفْسِهِ} كلحوم الإِبل وألبانها. وقيل كان به عرق النسا فنذر إن شفي لم يأكل أحب الطعام إليه وكان ذلك أحبه إليه. وقيل: فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطباء. واحتج به من جوز للنبي أن يجتهد، وللمانع أن يقول ذلك بإذن من الله فيه فهو كتحريمه ابتداء. {مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التوراة} أي من قبل إنزالها مشتملة على تحريم ما حرم عليهم لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديداً، وذلك رد على اليهود في دعوى البراءة مما نعى عليهم في قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طيبات} وقوله: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} الآيتين، بأن قالوا لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده حتى انتهى الأمر إلينا فحرمت علينا كما حرمت على من قبلنا، وفي منع النسخ والطعن في دعوى الرسول عليه السلام موافقة إبراهيم عليه السلام بتحليله لحوم الإِبل وألبانها. {قُلْ فَأْتُواْ بالتوراة فاتلوها إِن كُنتُمْ صادقين} أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه من أنه قد حرم عليهم بسبب ظلمهم ما لم يكن محرماً. روي: أنه عليه السلام لما قاله لهم بهتوا ولم يجسروا أن يخرجوا التوراة. وفيه دليل على نبوته.


{فَمَنِ افترى عَلَى الله الكذب} ابتدعه على الله بزعمه أنه حرم ذلك قبل نزول التوراة على بني إسرائيل ومن قبلهم. {مِن بَعْدِ ذلك} من بعد ما لزمتهم الحجة. {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} الذين لا ينصفون من أنفسهم ويَكابرون الحق بعدما وضح لهم.


{قُلْ صَدَقَ الله} تعريض بكذبهم، أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون. {فاتبعوا مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفاً} أي ملة الإِسلام التي هي في الأصل ملة إبراهيم، أو مثل ملته حتى تتخلصوا من اليهودية التي اضطرتكم إلى التحريف والمكابرة لتسوية الأغراض الدنيوية، وألزمتكم تحريم طيبات أحلها الله لإِبراهيم ومن تبعه. {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} فيه إشارة إلى أن اتباعه واجب في التوحيد الصرف والاستقامة في الدين والتجنب عن الإِفراط والتفريط، وتعريض بشرك اليهود.
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} أي وضع للعبادة وجعل متعبداً لهم، والواضع هو الله تعالى. ويدل عليه أنه قرئ على البناء للفاعل. {لَلَّذِى بِبَكَّةَ} للبيت الذي {بِبَكَّةَ}، وهي لغة في مكة كالنبيط والنميط، وأمر راتب وراتم ولازب ولازم، وقيل هي موضع المسجد. ومكة البلد من بكة إذا زحمه، أو من بكه إذا دقه فإنها تبك أعناق الجبابرة روي أنه عليه السلام سئل عن أول بيت وضع للناس فقال: «المسجد الحرام، ثم بيت المقدس وسئل كم بينهما فقال أربعون سنة» وقيل أول من بناه إبراهيم ثم هدم فبناه قوم من جرهم، ثم العمالقة، ثم قريش. وقيل هو أول بيت بناه آدم فانطمس في الطوفان، ثم بناه إبراهيم. وقيل: كان في موضعه قبل آدم بيت يقال له الضراح يطوف به الملائكة، فلما أهبط آدم أمر بأن يحجه ويطوف حوله ورفع في الطوفان إلى السماء الرابعة تطوف به ملائكة السموات وهو لا يلائم ظاهر الآية. وقيل المراد إنه أول بيت بالشرف لا بالزمان. {مُبَارَكاً} كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف دونه وطاف حوله، حال من المستكن في الظرف {وَهُدًى للعالمين} لأنه قبلتهم ومتعبدهم، ولأن فيه آيات عجيبة كما قال:

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17